كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف. وقال لهم: «إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموه».
وكره رسول الله أن يبلغ قومه عنه فيديرهم عليه ذلك. فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم. وعبيدهم يسبّونه. ويصيحون به. حتّى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة. وشيبة ابني ربيعة. هما فيه. ورجع عنه سفهاء ثقيف.
و لقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة من بني جمح. فقال لها: «ماذا لقينا من أحمائك؟». فلمّا اطمئن رسول الله. قال: «اللَّهم إنّي أشكوإليك ضعف قوّتي. وقلّة حيلتي. وهواني على النّاس. يا أرحم الراحمين أنت ربّ المستضعفين. وأنت ربّي. إلى من تكلني. إلى بعيد يتجهمني أو الى عدوملّكته أمري. إن لم يكن بك عليَّ غضب. فلا أُبالي. ولكن عافيتك هي أوسع. وأعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك. ويحلّ عليَّ سخطك. لك العتبى حتّى ترضى. لا حول. ولا قوّة إلاّ بك».
فلمّا رأى أبناء ربيعة ما لقي تحرّكت له رحمهما. فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا. يقال له: عداس. فقالا له: خذ قطفًا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق. ثمّ اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه. ففعل عداس ثمّ أقبل به حتّى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمّا وضع رسول الله يده. قال: «بسم الله». ثمّ أكل. فنظر عداس إلى وجهه. ثمّ قال: والله إنّ هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة. قال له رسول الله: «ومن أي أهل البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟». قال: أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى. فقال له رسول الله: «من قرية الرجل الصالح يونس بن متّى». قال له: وما يدريك ما يونس بن متّى؟ قال له رسول الله: «ذاك أخي. كان نبيًّا وأنا نبيّ». فأكبّ عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبّل رأسه. ويديه. ورجليه. قال: فيقول أبناء ربيعة أحدهما لصاحبه. أما غلامك فقد أفسده عليك. فلمّا جاءهم عداس. قالا له: ويلك يا عداس ما لكَ تقبّل رأس هذا الرجل. ويديه. ورجليه؟ قال: يا سيّدي ما في الأرض خيرٌ من هذا. لقد خبّرني بأمر ما يعلمه إلاّ نبي. فقال: ويحك يا عداس لا يصرفنّك عن دينك. فإنّ دينك خيرٌ من دينه.
ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعًا إلى مكّة حتّى يئس من خير ثقيف. حتّى إذا كان بنخلة. قام من جوف الليل يصلّي. فمرّ به نفر من جنّ أهل نصيبين اليمن. وكان سبب ذلك أنّ الجنّ كانت تسترق السمع. فلمّا حرست السماء ورجموا بالشهب. قال إبليس: إنّ هذا الذي حدث في السماء لشيء في الأرض. فبعث سراياه لتعرف الخبر. فكان أول بعث بُعث ركب من أهل نصيبين وهم أشراف الجنّ وساداتهم. فبعثهم إلى تهامة. فاندفعوا حتّى بلغوا وادي نخلة. فوجدوا رسول الله صلّى الله عليه يصلّي صلاة الغداة. ببطن نخلة ويتلوالقرآن. فاستمعوا إليه. وقالوا: أنصتوا. هذا معنى قول سعيد بن جبير وجماعة من أئمّة الخبر. ورواية العوفي عن ابن عباس. وقال آخرون: بل أُمر رسول الله أن ينذر الجنّ ويدعوهم إلى الله تعالى. ويقرأ عليهم القرآن. فصرف الله إليه نفرًا من الجنّ من نينوى وجمعهم له. فقال رسول الله: «إنّي أُمرت أن أقرأ على الجنّ الليلة فأيّكم يتبعني؟» فأطرقوا ثمّ استتبعهم فأطرقوا. ثمّ استتبعهم الثالثة. فاتبعه عبد الله بن مسعود. قال عبد الله: ولم يحضر معه أحد غيري. فانطلقنا حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة دخل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم شعبًا يقال له: شعب الحجون وخط إليَّ خطًّا. ثمّ أمرني أن أجلس فيه.
قال: «لا تخرج منه حتّى أعود إليك». ثمّ انطلق حتّى قام وافتتح القرآن فجعلت أرى أمثال النسور تهوي تمشي في رفوفها. وسمعت لغطًا شديدًا. حتّى خفت على نبي الله. وغشيته أسورة كثيرة حالت بيني وبينه. حتّى ما أسمع صوته. ثمّ طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب داهنين. ففزغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر. ثمّ انطلق إليَّ. وقال: «أنمت؟» فقلت: لا والله لقد هممت مرارًا أن أستغيث بالناس حتّى سمعتك تقرعهم بعصاك. تقول: «اجلسوا».
قال: «لوخرجت لم امن أن يتخطّفك بعضهم». ثمّ قال: «هل رأيت شيئًا؟». قلت: نعم رأيت رجالًا سودًا مسفري ثياب بيض. فقال: «أولئك جنّ نصيبين سألوني المتاع» والمتاع الزاد «فمتعتهم بكلّ عظم حائل وبعرة وروثة». فقالوا: يا رسول الله يقذرها الناس علينا. فنهى النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُستنجى بالعظم والروث. قال: فقلت: يا رسول الله وما يعني ذلك عنهم؟ قال: «إنّهم لا يجدون عظمًا إلاّ وجدوا عليه لحمة يوم أُكل. ولا روثة إلاّ وجدوا فيها حبّها يوم أُكلت».
فقلت: يا رسول الله. لغطًا شديدًا. فقال: «إنّ الجنّ يدارك في قتيل قتل بينهم» وقيل: قتل «فتحاكموا إليَّ. فقضيت بينهم بالحقّ». قال: ثمّ تبرّز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ أتاني فقال: «هل معك ماء؟». قلت: يا رسول الله معي أداوة فيها شيء من نبيذ التمر. فاستدعاه فصببت على يديه فتوضّأ. وقال: «تمرة طيبة وماء طهور»
قال قتادة: فذكر لنا ابن مسعود لمّا قدم الكوفة رأى شيوخًا شمُطًا من الزط. فأفزعوه حين رآهم. وقال: اظهروا. فقيل له: إنّ هؤلاء قوم من الزط. فقال: ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الجنّ.
قال: أخبرنيه ابن منجويه. حدّثنا ابن حنش المقري. حدّثنا ابن زنجويه. حدّثنا سلمة. حدّثنا عبد الرزاق. حدّثنا معمر. عن قتادة بمثل معناه إلاَّ إنّه لم يذكر قصة نبيذ التمر.
أخبرنا الحسين بن محمّد الحديثي. حدّثنا محمّد بن الحسن الصوفي. حدّثنا أبو جعفر محمّد بن صالح بن ذريح. حدّثنا مسروق بن المرزبان. حدّثنا ابن أبي زائدة. حدّثنا داود بن أبي هند. عن علقمة. قال: سألت عبد الله بن مسعود. هل كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من الجنّ؟.
فقال: لا لم يصحبه منّا أحدٌ. ولكنا فقدناهُ ذات ليلة. فقلنا استطير أواغتيل. فتفرّقنا في الشعاب والأودية نلتمسه. فلمّا أصبحنا رأيناه مقبلًا من نحوحراء.
فقلنا: يا رسول الله. بتنا بشرِّ ليلة بات بها قوم. نقول: استطير أواغتيل.
فقال: «إنّه أتاني داع من الجنّ. فذهبت أُقرئهم القرآن». قال: وأراني آثارهم وآثار نيرانهم. قال: «فسألوه ليلتيئذ الزاد».
فقال: «فكلّ عظم لم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحمًا. والبعر لدوابكم».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تستنجوا بالعظام ولا بالبعر فإنّه زاد إخوانكم من الجنّ».
أخبرنا أبو عبد الله بن منجويه. حدّثنا أبو بكر بن خرجه. حدّثنا محمّد بن أيّوب. أخبرنا سلمان بن داود الشاذكوي. عن خالد بن عبد الله الواسطي. عن خالد الحذّاء. عن أبي معشر. عن إبراهيم. عن علقمة. عن عبد الله. قال: لم أكن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ و ودت أنّي كنت معه.
أخبرنا ابن منجويه. حدّثنا موسى بن محمّد بن علي. حدّثنا يوسف بن يعقوب القاضي. حدّثنا سليمان بن حرب. حدّثنا شعبة. عن عمرو بن مرة. قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله. أكان عبد الله مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ؟ قال: لا. قال: وسألت إبراهيم. فقال: ليت صاحبنا كان ذاك.
قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الجن يَسْتَمِعُونَ القرآن} اختلفوا في مبلغ عددهم. فقال ابن عبّاس: كانوا سبعة نفر من جنّ نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رُسلًا إلى قومهم.
أخبرنا ابن منجويه. حدّثنا طلحة بن محمّد بن جعفر. وعبيدالله بن أحمد بن يعقوب. قالا: أخبرنا أبو بكر بن مجاهد. حدّثني أحمد بن حرب. حدّثنا سنيد. حدّثنا حجاج. قال: قال ابن جريح: أخبرني وهب بن سلَمان. عن شعيب الحماني. إنّ أسماء الجنّ الّذين صرفهم الله تعالى إلى رسوله شاصر. وماصر. ومنشي. وماشي. والأحقب وقال آخرون: كانوا تسعة.
أخبرني أبو علي السراج. أخبرنا أبو بكر القطان. حدّثنا أحمد بن يوسف السّلمي. حدّثنا محمّد بن يوسف الفريابي. قال: ذكر سفيان. عن عاصم. عن زر بن حبيش. قال: كان زوبعة من التسعة الّذين استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم.
{فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالوا أَنصِتُواْ} قالوا: صه. وبإسناده عن سفيان. عن أبي إسحاق. عن ثابت بن قطبة الثقفي. قال: جاء أُناسٌ إلى عبد الله بن مسعود. قالوا: كنّا في سفر فرأينا حيّة متشحّطة في دمها مقتو لة. فأخذها رجل منّا. فواريناها. فلمّا ولوا جاءهم ناس. فقالوا: إنّكم دفنتم عمرًا. فقالوا ومَنْ عمر؟ قالوا: الحيّة التي دفنتم في مكان كذا وكذا. أمّا إنّه كان من النفر الّذين استمعوا القرآن من النبي (عليه السلام) وكان بين حيّتين من الجنّ من المسلمين وغيرهم. فزال. فقتل.
أخبرنا ابن منجويه. حدّثنا عمر بن الخطّاب. حدّثنا عبد الله بن الفضل. حدّثنا سهل بن حمزة. حدّثنا عبد الله بن صالح. حدّثني معاوية بن صالح. عن أبي الزاهرية. عن جبير بن نفير. عن أبي ثعلبة الحشي إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الجنّ على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء وصنف حيات وكلاب. وصنف يحلّون ويظعنون».
فلمّا حضروه. قالوا: قال: بعضهم لبعض أنصتوا. فأنصتوا واستمعوا القرآن. حتّى كاد يقع بعضهم على بعض من شدّة حرصهم. نظيرما في سورة الجنّ.
{فَلَمَّا قُضِيَ} فرغ من تلاوة القرآن واستماع الجان. وقرأ لاحق بن حميد {قَضَى} بفتح (القاف) و (الضاد). يعني النبيّ صلى الله عليه وسلم.
{ولواْ إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} مخوّفين داعين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: {قالواْ يا قومنا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يهدي إِلَى الحق وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِيَ الله} يعني محمّد صلى الله عليه وسلم: {وَآمنوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} قال ابن عبّاس: فاستجاب لهم من فوقهم نحومن سبعين رجلًا من الجنّ فرجعوا إلى رسول الله فوافقوه بالبطحاء. فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم. واختلف العلماء في حكم مؤمني الجنّ. فقال قوم: ليس لمؤمني الجنّ ثواب إلاّ نجاتهم من النار. وتأولوا قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة.
أخبرنا الحسين بن محمّد بن منجويه. حدّثنا عبد الله بن يوسف. حدّثنا الحسن بن نجيويه. حدّثنا عمرو بن ثور. وإبراهيم بن أبي سفيان. قالا: حدّثنا محمّد بن يوسف الفرباني. حدّثنا سفيان. عن ليث. قال: الجنّ ثوابهم أن يجاروا من النار. ثمّ يقال لهم: كونوا ترابًا مثل البهائم.
وقال آخرون: إن كان عليهم العقاب في الإساءة وجب أن يكون لهم الثواب في الإحسان مثل الإنس. وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى.
أخبرنا أبو عبد الله الثقفي الدينوري. حدّثنا أبو علي بن حبش المقري. حدّثنا محمّد بن عمران. حدّثنا ابن المقري وأبوعبيد الله. قالا: حدّثنا العبدي. عن سفيان. عن جويبر. عن الضحّاك. قال: الجنّ يدخلون الجنّة ويأكلون ويشربون.
{وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرض وليس لَهُ مِن دُونِهِ أوليَاءُ أولئك فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
{أَولم يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ} لم يضعف عن إبداعهن. ولم يعجز عن اختراعهن.
{بِقَادِرٍ} قراءة العامة (بالباء) و (الألف) على الاسم واختلفوا في وجه دخول (الباء) فيه. فقال أبو عبيدة والأخفش: هي صلة. كقوله: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] وقال الحارث بن حلزة:
قيل ما اليوم بيّضت بعيون ** النّاس فيها تغيّظ وإباء

أراد بيضت عيون النّاس. وقال الكسائي والفراء: (الباء) فيه جلبت الاستفهام والجحد في أول الكلام. كقوله: {أَوليس الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ} [يس: 81]. والعرب تدخلها في الجحود. إذا كانت رافعة لما قبلها. كقول الشاعر:
فما رجعتْ بخائبة ركاب ** حكيم بن المسيّب منتهاها

وقرأ الأعرج وعاصم الجحدري وابن أبي إسحاق ويعقوب بن إسحاق {يقدر} (بالياء) من غير (ألف) على الفعل. واختار أبو عبيد قراءة العامّة لأنها في قراءة عبد الله {خَلَقَ السماوات والأرض ولم يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ} بغير (باء).
{على أَن يُحْيِيَ الموتى بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ على النار} فيقال لهم: {أَلَيْسَ هذا بالحق قالواْ بلى وَرَبِّنَا قال} لهم المقرّر بذلك {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل}.
قال ابن عبّاس: ذو والحزم. ضحّاك: ذو والجدّ والصّبر. القرظي: ذو والرأي والصواب. واختلفوا فيهم. فقال ابن زيد: كلّ الرسل كانوا أولي عزم. ولم يتّخذ الله رسو لا. إلاّ كان ذا عزم. وهو اختيار علي بن مهدي الطبري. قال: وإنّما دخلت {مِنَ} للتجنيس لا للتبعيض. كما يقال: اشتريت أكسية من الخزّ. وأردية من البز. حكاها شيخنا أبو القاسم بن حبيب عنه.
وقال بعضهم: كلّ الأنبياء (عليهم السلام) أُولوا عزم. إلاّ يونس. ألا ترى إنّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يكون مثله. لخفّة وعجلة ظهرت منه حين و لى من قومه مغاضبًا. فابتلاه الله بثلاث: سلّط عليه العمالقة حتى أغاروا على أهله وماله. وسلّط الذئب على و لدِهِ فأكلهم. وسلّط الحوت عليه حتّى ابتلعه.
سمعت أبا منصور الجمشاذي يحكيها. عن أبي بكر الرازي. عن أبي القاسم الحكيم. وقيل: هم نجباء الرّسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر. وهو اختيار الحسين بن الفضل. قال: لقوله في عقبه: {أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده} [الأنعام: 90].
وقال الكلبي: هم الّذين أُمروا بالقتال. فأظهروا المكاشفة. وجاهدوا الكفرة بالبراءة. وجاهدوهم. أخبرنا ابن منجويه الدينوري. عن أبي علي حبش المقري. قال: قال بعض أهل العلم: أولو العزم اثنا عشر نبيًّا أُرسلوا إلى بني إسرائيل بالشام فعصوهم. فأوحى الله تعالى إلى الأنبياء (عليهم السلام): (إنّي مرسل عذابي على عصاة بني إسرائيل). فشقَّ ذلك عليهم. فأوحى الله تعالى إليهم أن اختاروا لأنفسكم. إن شئتم أنزلت بكم العذاب وأنجيت بني إسرائيل. وإن شئتم أنجيتكم وأنزلت ببني إسرائيل.
فتشأو روا بينهم. فاجتمع رأيهم على أن ينزل بهم العذاب وينجي بني إسرائيل. فأنجى الله بني إسرائيل وأنزل بأولئك العذاب. وذلك إنّه سلّط عليهم ملوك الأرض. فمنهم من نشر بالمناشير. ومنهم من سُلخ جلد رأسه ووجهه. ومنهم من رُفع على الخشب. ومنهم من أُحرق بالنّار. وقيل هم ستّة: نوح. وهود. وصالح. ولوط. وشعيب. وموسى.
وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراب والشعراء. وقيل أصحاب الشرائع. وهم خمسة: نوح. وإبراهيم. وموسى. وعيسى. ومحمّد صلى الله عليه وسلم.
وقال مقاتل: أولو العزم ستّة: نوح صبر على أذى قومه فكانوا يضربونه حتّى يغشى عليه. وإبراهيم صبر على النّار. وإسحاق صبر على الذبح. ويعقوب صبر على فقد و لده وذهاب بصره. ويوسف صبر في البئر وفي السجن. وأيّوب صبر على ضرّه.
وقال الحسن البصري: هم أربعة: إبراهيم. وموسى. وداود. وعيسى. فقال: إبراهيم فعزمه قيل له: أسلم. قال: أسلمت لربّ العالمين. ثمّ ابتلي في ماله. و و لده. و وطنه. ونفسه. فَوجِدَ صادقًا وافيًا في جميع ما أُبتلي به. وأمّا موسى. فعزمه قوله حين قال له قومه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] قال: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
وأمّا داود. فعزمه أنّه أخطأ خطيئة. فنُبّه عليها. فبلي أربعين سنة على خطيئته حتّى نبتت من دموعه شجرة. وقعد تحت ظلّها. وأمّا عيسى فعزمه أنّه لم يضع في الدُّنيا لبنة على لبنة. وقال: إنّها معبر فاعبروها. ولا تعمروها. فكان الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {فاصبر كَمَا صَبَرَ أُولواْ العزم مِنَ الرسل} أي كن صادقًا فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم. واثقًا بنصرة مو لاك مثل ثقة موسى. مهتمًّا لما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود. زاهدًا في الدنيا مثل زهد عيسى (عليه السلام).